الصفحات

الجمعة، يناير 06، 2012

الطباعة العربية في إيطاليا: مطبعة المجمع المقدس لنشر الإيمان بروما (1626-1918م) نموذجاً

بقلم الأستاذ الدكتور / أمجد جمال حجازي

أستاذ علم المكتبات والمعلومات المساعد بقسم المكتبات والمعلومات

جامعة بنها


لقد شهدت إيطاليا مولد طباعة الكتب العربية ممثلة في مطبعة المجمع المقدس لنشر الإيمان(1626-1908م) Typographia Sacra Congregation De Propaganda Fide تلك المطبعة التي تعد أبرز المطابع التي طبعت الكتب باللغة العربية في إيطاليا وأوروبا على حد سواء، وأطولها عمراً ؛ حيث أسفرت عملية رصد الكتب العربية المطبوعة في مطبعة المجمع ، عن وجود 79كتاباً عربياً منذ عام 1626م حتى عام 1908م.

محاولات تحسين الخطوط العربية

بناء اللغة العربية والفرنجيتين العاميتين اى الايطالية و اللاطينية للراهب لمار فرنسيكس القديس المعروف بالطقس المتحفظ الاشد الراهب عبدالاحد النمساوي معلم اللسان العربي روما: مطبعة المجمع، 1639.

كتاب الزيارات اليومية لسر الأفخاريستيا ولأيقونة والدة الإله الطوباوية مع صلوات أخر خشوعية/ تاليف القديس الفونس ليكوري؛ وقد استخرجه عن أصله الإيطالي إلى اللغة العربية السيد كير وكير مكسيموس مظلوم روما: مطبعة المجمع، 1872.
الكتاب بأكمله بالعربية وهو ما يتضح من عدم وورد كلمة واحدة بغيرها في صفحة العنوان

وجدير بالذكر أن النهضة الأوروبية ، والاستشراق، والتنصير، والكثلكة، والاحتلال، ووفرة المخطوطات العربية، وتقدم دراسات اللغة العربية وآدابها في الجامعات الإيطالية، قد شكلت الظروف، والعوامل، والسياقات، السياسية، والعلمية، والدينية التي نشأت في ظلها مطبعة المجمع المقدس لنشر الإيمان، بل وادت كذلك إلى نشاط حركة طباعة العربية في ايطاليا.

وقد أنشىء المجمع المقدس بهدف تنصير العالم من جهة، ونشر المذهب الكاثوليكي من جهة أخرى وهو الأمر الذي تمكنت من خلاله الكنيسة الكاثوليكية من إعادة السيطرة على الكثير من المناطق التي شهدت تقدم المذهب البروتستانتي، فيما وصف بأنه من أبرز الإنجازات الإصلاحية لإعادة الريادة والقوة للكنيسة الكاثوليكية، وقد كان افتتاحه لمطبعة المجمع المقدس لنشر الإيمان عام 1626م؛ لدعم عمل المجمع في سعيه نحو نشر الكاثوليكية بين الطوائف النصرانية المختلفة وبين غير النصرانية من أهل المشرق وذلك بطباعة الكتب باللغات المشرقية، والتي من بينها اللغة العربية.

ولقد تضافرت العديد من الجهود من أجل إنشاء وعمل مطبعة المجمع بشكل قوي، وهي التي تنوعت بين الدعم المادي، والإشراف الإداري، والإسهام الفني، ويمكن تصنيفها تحت الفئات التالية:

1- النخبة الحاكمة: ومنهم الإمبراطور الروماني فرديناند الثاني.

2- الباباوات: ومنهم البابا جريجوري الخامس عشر، والبابا أوربان الثامن.

3-المساهمون فنياً: ومنهم روبير جين جرانجون، واستيفانو باولينو أو إيتيان بولان، وجيوفاني باتيستا (جيامباتيستا) بودوني، و بيترو ماريتتي.

4- طوائف الكاثوليك من أهل المشرق: ومنهم طائفة الموارنة الشوام ومثلها نصر الله شلق العاقورى، سركيس بن موسى الرزي، ابراهام الحاقلاني، ومرهج بن نمرون، وجبرايل الصهيوني، إضافة إلى طائفة الروم الملكانيين والذين مثلهم مكسيموس مظلوم

5- المستشرقون الأوربيون الرهبان، وأبرزهم توماسو أوبتسيني، وجرمانوس دي سيليزيا، وفيليبو جوادنولي.

من ناحية أخرى، فإن طبع الكتب العربية بمطبعة المجمع المقدس لنشر الإيمان لم يتسم بالتوازن المعرفي والثراء الموضوعي وإنما اتضح تماماً اتجاهه نحو موضوعاتٍ ما بعينها، وهي التي أتت على ثلاث فئات رئيسة هى: الموضوعات النصرانية، واللغة العربية، وأخيراً الببليوجرافيات.

أما من حيث الإخراج والأبناط الخاصة بهذه الكتب، فقد كان تطويرها ضرورة تسعى إليها مطبعة المجمع لنيل رضا واستحسان القاريء سواء الأوربي أو المشرقي العربي وقد اعتمدت في هذا التطوير على تحسين وتنويع أشكال وأحجام الحروف المستخدمة فضلاً عن مراعاة التطوير في إخراج الكتاب ونَظم أجزائه.

أما عن توزيع الكتب العربية المطبوعة بالمطبعة ووجهة استقرارها ومصائرها التي آلت إليها، فيتضح فيما يلي:

الوجهة الأولى: الأوروبيون:

ويمثل هذا الاتجاه العلماء والطلاب المهتمون باللغة العربية و المنصرون، وقد وجهت لهم كتباً ثنائية اللغة وثلاثية في بعض الأحيان. تصاحب العربية فيها بعض اللغات مثل اللاتينية، والإيطالية وذلك للاستعانة بها في فهم النص العربي، ويمثل هذه الفئة الكتب المندرجة تحت موضوع تعلم اللغة العربية والموضوعات النصرانية.

الوجهة الثانية: المشارقة من الطوائف النصرانية .

ويمثل هذا الاتجاه نصارى المشرق من رجال الدين والعوام على حد سواء، وهم الذين وجهت لهم كنيسة روما كتباً باللغة العربية وقليلا من الكتب التي تحمل ترجمة معها . وقد تنوعت موضوعات الكتب الموجهة إليهم إلا أنها جميعها تقع في فئة الموضوعات النصرانية.

الوجهة الثالثة: المشارقة المسلمون.

ويمثل هذا الاتجاه المشارقة العرب من المسلمين الذين تطلق عليهم كنيسة روما في كتبها: المحمديون MOHAMMEDAN، وقد وجهت لهم كتباً عربية أحادية اللغة في معظمها أيضاً وقد أنصبت موضوعاتها على النصرانية.

المصير الذي آلت إليه مطبعة المجمع المقدس لنشر الإيمان، أو ظروف الاندثار:

لقد ضعفت المطبعة جزئيا بعد أن أمر نابليون بونابرت، صديقه العالم كاسبر مونج في الخامس من مارس عام 1798، بالحصول على ثلاث طابعات مع قوالبها وحروفها اللاتينية واليونانية والعربية والسريانية من مطبعة المجمع المقدس لنشر الإيمان؛ لتوطيد أركان حملته على مصر التي بدأها عام 1798م، وبعد أن تولى حكم إيطاليا فيما بين عامي 1805م و 1814م، قرر أن يغلق المجمع بحجة تلقيه تقريراً من وزيره المسئول عن الدين يشير إلى تراجع دور المجمع في القيام بإعداد وإرسال المنصرين للشرق الأقصى – الصين- وبالفعل فقد أقدم على إغلاق المجمع المقدس لنشر الإيمان عام 1809م ونقل مقتنياته بالكامل إلى باريس، وكان من جملة ما نقله القوالب والحروف الطباعية وغيرها من المعدات الخاصة بمطبعة المجمع، وعاودت مطبعته نشاطها في طباعة الكتب العربية وكان أول كتاب طبعته بعد فترة التوقف تلك في عام 1827م. وقد ظلت المطبعة على حالها ذلك بعد نابليون حتى جاء البابا بيوس العاشر الذي قاد حركة لإصلاح الكنيسة الكاثوليكية ضد البدع و الهرطقات وانشغال العالم بالثورة الصناعية والثقافية، وكان من جملة تلك الإصلاحات ما طال المجمع المقدس لنشر الإيمان؛ حيث ارتأى فيما رأه أن مطبعة المجمع التي أنشئت عام 1626م يجب أن تدمج ومطبعة الفاتيكانVatican Press التي أنشئت عام 1587م، في كيان جديد تحت مسمى مطبعة الفاتيكان متعددة اللغات Vatican Polyglot Press، وقد أصدر قراراً بذلك الشأن في عام 1908م، وهو ما مثل نهاية المطبعة من على ساحة التاريخ.

الايجابيات التي تحققت من وراء طباعة الكتب العربية في إيطاليا:

هناك مجموعة من الإيجابيات التي تحققت من وراء طباعة الكتب العربية في إيطاليا وهي:

1- أنها قفزت بسبك الحرف العربي خطوات واسعة.

2- أنها فتحت الباب على مصراعيه أمام الدول العربية وحفزتها على استخدام الطباعة وبنشاط.

3- أن الكتب التي طبعتها المطابع الإيطالية تفيد في التعرف على موقع الأمة العربية والإسلامية في الضمير الإيطالي بصفة خاصة والأوروبي بصفة عامة، في ذلك الوقت.

4- أن تلك الكتب قد أفادت المطابع العربية في اختزال خطوات التحول من المخطوط إلى المطبوع.

5- أن المطابع الإيطالية عامة ومطبعة المجمع خاصة قد أثارت العرب وحفزتهم على القيام بتنويع وتجميل حروفهم المستخدمة في الطباعة.

6- أن المطابع الإيطالية عامة ومطبعة المجمع خاصة قد نبهت العرب إلى أهمية التراث العربي سواء الموجود بأوروبا أو البلدان العربية.

7- أن حركة إحياء ونشر كتب التراث العربي قد نبهت إلى ضرورة وأهمية إقامة وتدريس وتطبيق علم إقامة النص أو ما يعرف بتحقيق التراث.

هناك 12 تعليقًا:

  1. يسر أسرة المدونة أن تستهل نشاطها في عام 2012 بموضوع قيِّم لأستاذ متميز من أساتذة علم المكتبات والمعلومات ؛
    وللمزيد حول هذا الموضوع يمكن الاطلاع على النص الكامل للبحث الذي بياناته كالتالي:

    أمجد جمال حجازي. "الطباعة العربية في إيطاليا: مطبعة المجمع المقدس لنشر الإيمان بروما (1626-1918م) نموذجاً؛ دراسة تاريخية تحليلية" مجلة كلية الآداب جامعة بنها، يناير 2009م، ص 473-601.

    ردحذف
  2. أهلا بحضراتكم :
    الأستاذة /أمل المغربي، والأستاذ/ تامر أبو الخير
    لقد تشرفنا بمروركم وتعليقكم .

    ردحذف
  3. بجد مجهود أكثر من رائع فى اثراء المعرفة البشرية شكرا للدكتور أمجد حجازى على هذا المجهود وتلك الرسالة وشكرا لك يا شعلة حيوية ونشاطعلى النشر الممتاز الجذاب جزاك الله خير الجزاء وبارك فيك اّمين

    ردحذف
  4. بارك الله فيك يا أميرة وزادك علماً ،آمين.

    في انتظار مقال ننشره لك قريباً بإذن الله .

    ردحذف
  5. مدونة أكثر من رائعة
    سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم.

    تجار الدوحة

    ردحذف
  6. شكرا لكما ،
    تجار الدوحة،
    وأخبار فنية ،

    للمرور والتعليق والتشجيع .
    ونرجو ان نكون دائماً عند حسن ظنكما.

    ردحذف
  7. الإخوة : أخبار مصرية، وأخبار رياضية
    شكرا للمرور والتعليق ،

    وجدير بالذكر أن إدارة المدونة تشكر كل من يفضِّل الكتابة والتعليق بالاسم غير المستعار ، حيث أن هذه مدونة علمية في المقام الأول والاسم الحقيقي يعطي قوة ومصداقية للكتابات ،والآراء،والتعليقات.

    ردحذف
  8. شكرا لك وتحياتى لك ولمدونتك الرائعة

    ردحذف
  9. تحياتي وشكري لك أستاذ (أستاذة)أخبار

    ردحذف
  10. بارك الله فيك يا أميرة وزادك علماً ،آمين.

    ردحذف