بقلم / الأستاذة أميرة يحي أنور
طالبة الماجستير بقسم المكتبات والمعلومات –جامعة الإسكندرية
والأمة الناهضة هي التي يشيع بين أبناءها ثقافة الحوار ، وكلما بعدت الأمة عن فتح آفاق الحوار ، كلما عانت من الأمراض الاجتماعية .
وكلما ابتعد الفرد عن التعبير عن الذات بالحوار السليم عانى من العقد النفسية والاضطرابات ، وتفشى الخلاف والخصومة بينه وبين الناس ،ومن ثم صاروا أقل قدرةً على البناء ، والنجاح والتقدم ؛ لذا من الضروري أن يتعلم الفرد مهارات الحوار الناجح .
وفي السطور التالية أحاول أن أوضح كيف يمكنك أن تدير نقاشاً أو حواراً عادلاً وقوياً ، ومن ثم ناجحاً - بإذن الله تعالى - من أجل إقناع الطرف الآخر بوجهة نظرك دون إن تسبب له جُرحا أو إحراجا .
وقبل أن تبدأ المناقشة :1-(سَمِّ الله الرحمن الرحيم) وتوكل عليه ، وادعُه سبحانه أن يوفقك إلى الخير ويجنبك الخطأ والزلل, واستحضر النية السليمة لأن النية السليمة والصحيحة هي مفتاح النجاح في الدنيا والآخرة .
2- حاول أن تجمع ما تستطيع من المعلومات الأساسية حول موضوع الحوار ،حتى تكون محاوراً قوياً ...لأن المعرفة تمنحك القوة والثقة .
3- حدَّد هدفك من الحوار و لا تدَع محاورك يُبعدك أو يشغلك عن تحقيقه مهما كانت الأسباب .
وبعد ذلك :
1- حاول التسلسل والتدرج في طرح الفكرة ولا تعيد طرح الفكرة أكثر من مرة.
2- إنّ بِدْءَ الحديث والحوار بمواطن الاتفاق طريق إلى كسب الثقة وتفشِّي روح التفاهم . ويصير به الحوار هادئاً وهادفاً ، مما يقلّل الجفوة ويردم الهُوَّة ويجعل فُرَص الوفاق والنجاح أفضل وأقرب ، كما يجعل احتمالات التنازع أقل وأبعد .
3- ليس بالضرورة أن تكون كلماتك منمقة بأسلوب أدبي محنك لكن من المهم أن تكون كلماتك صادقة و مفهومة لمن يسمعك.
4- من الجميل أن تستشهد خلال مناقشتك بآيات الله الحكيمة أومن سُنَّة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام, ويا حبذا لو ذكرت رقم الآية والسورة أو الرواى أواسم الكتاب الذي يضم الحديث فالتوثيق يعطى مصداقية أكثر للموضوع محل النقاش.
5- لا تصر على الفوز بنسبة مائة بالمائة :لا تحاول أن تبرهن على صحة موقفك بالكامل وان الطرف الأخر مخطىء تماما في كل ما يقول ، بل ينبغي مراعاة ظروف المكان والزمان وظروف من تحاوره.
6- يرجى البعد كل البعد عن تجاوز الأدب وانعدام الاحترام بينك وبين المتحاورين مهما كانت الظروف والأسباب؛ فالشتائم والسباب والتشهير ليست كلمات جارحة فقط إنما كلمات هدامة لا تُبقى مجالاً للحوار وتجعل محاورك يُغلق أذنيه وقلبه عن كل ما تقول وتفعل حتى لو كنتَ على الحق .
ففي محكم التنزيل : { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن }(الاسراء :53) ،
{ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن } (النحل: 125) ،
{ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً }(البقرة :83) .
فحق العاقل اللبيب طالب الحق ، أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء والسخرية ، وألوان الاحتقار والاستفزاز.
7- إذا كانت القضية تتطلب حلولاً إطرح حلولاً من واقع مجرب أو حتى لو كانت من خيالك .
8- إذا كنت تحاور من يخالفك في وجهة النظر وكان يحاول أن يستفزك ، فحاول أن تتفاهم معه بأسلوب هادىء (حتى لو كنت تستشيط غضباً )حتى لا تخسر الجولة .
9- أدر الحوار بتعقل وهدوء وسعة صدر ، بعيداً عن التوتر ،وتذكَّر أن المُحاور العصبي مهزوم.
10-إياك والتعدي على الدين والمذهب والانتماء حتى لا تهدم جسور التواصل بينك وبين محاورك.
ومن لطائف التوجيهات الإلهية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المجال ، الانصراف عن التعنيف في الردّ على أهل الباطل ، حيث قال الله لنبيه : { وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ) (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } (الحج : 68-69 ) .
وقوله : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ }(سـبأ:24) . مع أن بُطلانهم ظاهر ، وحجتهم داحضة .
11-لتكن (الحقيقة )غايتك من الحوار ؛ فما عداها لا يمكن اعتباره حواراً جاداً أونافعاً.
12-بهدوئك وأدبك وأخلاقك وحُسن إنصاتك ، كن قدوة لمحاورك ، والتزم أصول الحوار .
13- من الجميل ، وغاية النبل ، والصدق مع النفس ، وقوة الإرادة ، وعمق الإخلاص ؛ أن تُوقِفَ الحوار إذا وجدْت من يحاورك مُصراً على أن يُبعدك عن الهدف من الحوار ، وأن يدخل بك في متاهات الجدال الذي يؤدي إلى مسالك الشقاق والخصام ، وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أنا زعيمٌ ببيت في رَبَض الجنة لمن ترك المِراء وإن كان مُحقاً ..." رواه أبو أمامه بإسناد حسن .
فإذا كُنتَ على حق وتركت المِراء( أي الجدال ) مع من تحاوره ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمن لك بيتاً في أعلى الجنة جزاءً لك على ذلك !!
وفي الختام :
ليكن ختام حوارك دائماً عامراً بالشكر لمحاورك مهما كانت مشاعرك نحوه ، فهذه أبلغ صورة تظهر بها كفارس للنقاش ومَلِك الحوار !
***
المصادر:
1- صالح بن عبد الله بن حميد . أصول الحوار وآدابه في الإسلام .تاريخ الإتاحة : 6 فبراير 2012. http://www.saaid.net/mktarat/m/13.htm
2-أروى العماوي. كيف تدير نقاشاً واجتماعاً ناجحاً .عمَّان: دار الإسراء للتوزيع والنشر، 2009 .
3- محمد بن علي شيبان العامري. فن الحوار الإيجابي مع الآخرين .تاريخ الإتاحة : 6 فبراير 2012. http://www.sst5.com/readArticle.aspx?ArtID=168&SecID=20
شكرا لمرورك وتعليقك يا أستاذ عبد الرحمن ، وفي انتظار مشاركة منك بمقال واحد على الأقل في مدونتك هذه .
ردحذفشكرا للأستاذة أميرة على هذا الموضوع المتميز ، فما أحوجنا إلى الحوار الهادىء الهادف لإدارة أمور حياتنا اليومية، وأعمالنا، وبرامجنا الحوارية عبرالفضائيات ، وغير ذلك.
ردحذففالاختلاف والتنوع والتعدد سُنة الله - تعالى - في خلقه ، لمصلحة هذاالخَلق ؛ وكما يقولون :" لولا اختلاف الأذواق لبارَت السِّلَع " ... المهم أن نعرف كيف ندير هذا الاختلاف بحكمة حتى يتحقق الهدف المرجو منه .
وفي مقالك هذا تعليمات سديدة لعل من يقرؤها، يقرؤها بقلبه، عساه أن يكون مستعداً لتطبيقها في حياته ، فيَسعَد ويُسعد من حوله .
نشكرك أستاذة أميرة على طرح هذا الموضوع المتميز والذي نحن الآن في أمس الحاجة إليه في ظل كل ما نعيشه من أحداث ؛ فثقافة الحوار أمر أراه مكتسبا وليس فطريا فالإنسان يجب ان يتعلم من خلال الاستماع والتعرف لفن الحوار لكيفية التحاور والأهم هو الخروج بنتيجة فعالة من ذلك الحوار لا أن نخرج منه مثلما دخلناه وأسوأ. وأود أن أوضح أن ثمة اختلاف بين الحوار الاسري والمجتمعي والحوارات الصحفية أو الإعلامية. فالحوار الصحفي مثلا يشتمل على مجموعة من الأسئلة توجه لشخص ليقوم بالإجابة عنها أو معرفة رأيه واتجاهاته تجاه موضوع ما. وهنا قد لا يحمل الامر خلافات أومشكلات إنما تكون المشكلة بعد ذلك في كيفية التعبير المكتوب أو المقروء عن هذا الحوار بحيث لا يضيف أشياء لم يقلها الشخص الذي تمت محاورته اي ان الامانة في النقل هنا هي الاساس لما بعد الحوار في إخراجه والتعبير عنه.
ردحذفأما الحوارات الأسرية أو الاجتماعية فهي قد تكون مناقشات أي ما كان أمرها لتقريب وجها النظر أو المناقشة حول موضوع ما ولكنها هي اللبنة الأولى لخلق ثقافة الحوار والتي تعلم الفرد كيف يتحدث ويتحاور ويخرج بنتائج دون صدامات أو انطباعات سيئة من الآخرين فهي هنا غرس النبتة في الإنسان لتنمو وتصبح شجرة وارفة الظلال من الحوارية والإقناع والتميز الشخصي
وهذا يقودنا للنوع الأشهر والاصعب وهو الحوارات المجتمعية أو حوارات الافكار أو حتى الحوارات الإعلامية والتي تشبه المعترك ويريد كل طرف فيها ان يخرج فائزا ومدعما لوجهة نظره وهي بالفعل التي نحتاج الآن أن نمارسها وأن نخرج منها بنتائج فاعلة تنعكس على صالح المجتمع لا أن تتحول حواراتنا لساحات من المشاجرة ولا يسمع أحدنا الآخر بل يسمعنا فقط من هو بعيد عن مضمار الحوار المباشر او يستمع له من الخارج عن بعد فلا يجد إلا ان يضحك ولا يفيد شيئا من هذا الشجار وليس الحوار.
اشكر الفهرس الموحد على تعليقه الرائع كما تعودنا دائما منه.أتفق تماما مع حضرتك فى كلامك كله وخاصة جزيئة الحوارات الاعلامية والتى تشبه المعترك حقا !!!فقد كثرت الاوجه وخفتت الحقيقة,كثرت المنابر وانعدم الصدق ومثلما قال "جوزيف جوبلز "وزير اعلام هتلر (أعطنى اعلاما بلا ضمير...أعطك شعبا بلا وعى)فدعونا نعكس تلك المقولة من خلال تلك المقالة وغيرها باذن اللهلتكون(اعطنى شعبا واعيا ...أعطك اعلاما لديه ضمير)وهذا ما اتمناه شخصيا واكيد اى مواطن مصرى يغير ويحب دينه ووطنه.
ردحذفوعلينا ان نأخذ بنصيحة توفيق الحكيم لاحدى قرائه"لا أريد من قارئى أن يطمئن الىّةلا أريدمن كتابى ان يريح قارئى واريد من قارئى أن يكون مكملا لى ولا مؤمنا بى ...ينهض ليبحث معى ولا يكتفى أن يتلقى عنى ...أن مهمتى هى فى تحريك الرؤوس الى اخر المقال"فنحن فى أشد الحاجة الى تشغيل الرؤوس وان نعطى الى عقولنا فرصة لنفكر وليس التلقن .وتذكر دائما "ما أرخص قلة الادب وما أغلى الادب!!!
ردحذفأستاذ أميرة رد مميز وتعليق ينم على ثقافة صاحبته الذاتية المتميزة وسعة في الاطلاع وحسن في التفكير فلكم منا كل التقدير والاحترام متمنين لكم استمرار التواصل والتفاعل ونشكركم على إطرائكم الذي لا نستحقه
ردحذفكل الشكر والاحترام لسيادتكم.فأنتم اصحاب الشخصيات المثقفة المنمقة وأنا من اكثر المتباعين لحضرتكم فى كل ما يتم نشره على مدونة القسم.كم انا سعيدة بمرور حضرتكم وتعليقكم على وصف شخصى العادى وأتمنى لحضرتكم دوام التقدم فأنتم أستاذتنا الذين نفخر أن نتعلم منهم.
ردحذفمااحوجنا لمثل هذالحوار البناء حيث وانني في بيئة عمل لاتؤمن بالحوار
ردحذفشكرا جزيرا لكم على هذة المعلومات المفيدة و جزاكم الله خيرا
ردحذف