إعداد
/ د. أماني زكريا الرمادي
الأستاذ المساعد بقسم المكتبات
والمعلومات
جامعة الإسكندرية
تعد مهنة النشر من أرقى المهن لأنها تتعامل مع
المعلومات وتُثري العقول وتنمِّي المعرفة
؛
ومع الاحترام الشديد لكل ناشر، فإن السطور
التالية لا تعني إلا المخالفين - فقط - لأخلاقيات مهنة النشر ، فلقد تعامَلَت
كاتبة هذه السطور مع من تحلَّوا بهذه الأخلاق من الناشرين ...إلا أنها تعترف أنهم
قِلَّة ؛ فلا يكاد يخفى على أحد ما تكتظ به مهنة النشر من عدم الالتزام
بأخلاقياتها !!!!
وبعد،،،،
فإن لكل مهنة أخلاقيات لا تستقيم الأمور بدونها ؛ولعل
مصطلح الأخلاق يتناول المبادئ التي توجه السلوك البشري وهو يتعلق بقضايا الصواب
والخطأ ، والعدل والظلم وذلك بالنسبة لمجتمع ما أو جماعة معينة ؛ويذكر مجاهد
الهلالي أن " الأخلاق " هي الأساس أو الركيزة الأولى التي يقام عليها
بنيان مهنة العاملين في مؤسسات المعلومات وان القواعد والقوانين الخاصة بالأخلاق
المهنية أو السلوك المهني تسهم إسهام كبيرا ًفي توليد الكرامة المهنية وممارسة
الواجبات وفقا لمبادئ وقواعد مقننة متفق عليها من قبل العاملين بالمهنة ، وهى تخدم
غرضين بالنسبة لأعضاء المهنة؛فهي من ناحية توفر حماية أفضل للأعضاء، كما أنها من
ناحية أخرى توفر خدمة أفضل للجمهور المستفيد من المهنة .
وهناك جانبان للأخلاق:
الأول يتضمن القدرة على تمييز الحق
من الباطل ، والخير من الشر ،واللائق من غير اللائق
أما الثاني فينطوي على الالتزام بعمل كل ما
هو حق وخير و لائق.
والأخلاق
مفهوم عملي تطبيقي ،أي أنها ليس مجرد فكرة للتفكير فيها أو الجدال حولها .
وتختلف الأخلاق عن القيم في أن الأولى تهتم بسلوك الإنسان
الخَلوق وتصرفاته ، بينما تهتم الثانية بالمعتقدات والاتجاهات المختلفة التي تحدد
كيف يتصرف الإنسان فعلاً .
أهمية
الالتزام بأخلاقيات مهنة النشر:
تكمن أهمية الالتزام بأخلاقيات
مهنة النشر فيما يلي:
1- أن الأخلاق هي أساس
نجاح كل نشاط إنساني، و مهنة النشر –كأي مهنة -تقوى وتزدهر إذا تمت ممارستها
بأخلاقياتها؛ والعكس صحيح !!
2- أن الأسس الأخلاقية هي القواعد التي تمثل الصالح
العام للمجتمع
3- أن نجاح النُّظُم يعتمد على ما يكون لدى العاملين بها من معرفة،
ومقدرة على المبادرة ،وتحمل مسئوليتها ،لأن النظم
كالحصون ، لا يكفي أن يكون تصميمها حسنا ً، بل ينبغي إمدادها بالجنود الصالحين !!! كما
يقول الفيلسوف كارل بوبرKarl
Popper
4- أن
المنظومة المعرفية تسقط إذا سقطت المنظومة الأخلاقية ؛ فالعلم – كما
يقول أبو حيان التوحيدي- يُجِلُّ أهله إذا تمسكوا بالأخلاق؛ وبما أن الناشر هو أحد أهم
العاملين في منظومة المعلومات،فإن أخلاقه أثناء ممارسة المهنة تنعكس بالسلب أو
الإيجاب على المنظومة ككل !
5- أن الناشر هو أحد أهم أقطاب منظومة
المعلومات في المجتمع ، وكلما أدى الناشر
دوره كما ينبغي ومارس مهنته بأخلاقياتها ،كلما زادت جودة هذه المنظومة
، ومن ثم جودة منتجها ،وفي عصر المعلومات ،حيث أصبح الكفاح من أجل تحسين
المحتوى العربي للمعلومات على الإنترنت وخارجها ضرورة مُلحَّة ، ما أحرانا بأن نسعى لتحسين كل أقطاب منظومة المعلومات
العربية .
6- أن الناشر لا يقل مرتبة عن المعلِّم ، لأن كليهما يساعد على نشر
العلم النافع... وإذا كان أمير الشعراء قد قال عن المعلم :
قُم للمعلم وفِّهِ التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا
فإن كاتبة هذه السطور تقول عن الناشر
الملتزم بأخلاق مهنته :
قُم للناشر وفِّه التبجيلا *** كاد
الناشر أن يكون رسولا !!!
7- أن مهنة الناشر الملتزم أخلاقيا ً – في رأي كاتبة هذه
السطور – تشبه مهنة الرسل-عليهم السلام- الذين يقومون بتوصيل محتوى الرسالات من
المعلومات إلى الناس ،كل الناس !
أليس الناشر موصِّل لرسائل
معينة تحملها الكتب إلى جمهور القراء؟!!
فطوبى لناشر يتشبَّه بالرسل ،
وطوبى لناشر يرقى إلى مرتبة
المعلم !
ألم يقل الرسول صلى الله عليه
و سلم : "من تشبَّه بقوم فهو منهم" حديث صحيح ؟!!
8- أن "الالتزام بأخلاقيات مهنة
النشر لا يؤدي لنجاحها فقط ، وإنما يؤدي لمصداقية
هذه المهنة والمساعدة على تحقيق رسالة دار
النشر، ويزيد من قيمة المنتَج الذي ينشره الناشر... والعكس صحيح، فالممارسة غير
الأخلاقية لهذه المهنة تسيء إلى سُمعتها ،
وتقلل من فعالية المنتَج المنشور
الصفات الأخلاقية للناشر:
ينبغي للناشر أن يتحلى بالعديد
من الصفات الأخلاقية، سواء كانت منشوراته مطبوعة أو إلكترونية، ولعل أهم هذه
الصفات ما يلي:
1- الصدق : حيث ينبغي له :
·
أن يكون صادقا ً مع نفسه في تحديد الهدف
من عمله.
·
ان يَصدُق مع المؤلف في عدد النسخ المتفق
على طباعتها من الكتاب.
·
ان يَصدُق-قدر استطاعته- في موعد ظهور
الكتاب بالسوق .
·
ألا يكذب أو يحلف يمينا ًكاذبة لترويج
كتبه، "ففي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ولهم عذاب
أليم " قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار ، قال أبو ذر :
خابوا وخسروا ، من هم يا رسول الله ؟ قال: " المُسبِل ، والمنَّان ، والمُنفِّق
سلعته بالحلف الكاذب".
2-الأمانة: حيث
ينبغي له :
·
أن يكون أميناً في توزيع الكتاب في
المنطقة الجغرافية المنصوص عليها بالعقد
·
أن يكون أميناً في سعر الكتاب المتفق عليه
مع المؤلف
·
أن يكون أميناً في المعلومات المعلَنة عن
الكتاب أثناء التسويق، فلا يذكر عن الكتاب ما ليس فيه.
· أن يكون
أميناً فيما يبيعه من كتب، فلا يغطي ما بها من عيب ، أو يخلط الجيد بالرديء
3- الوفاء:
حيث ينبغي له ان يفي بشروط
العقد المتفق عليها مع المؤلف .
4- الإحسان(الإتقان)
حيث
ينبغي له أن يعمل على حسن إتقان العمل بالكتاب فيُخرجه في أبهى صورة ممكنة .
5- الإخلاص:
حيث
ينبغي له أن يكون
مخلصاً في بذل الجهد للتسويق الفعَّال للكتاب .
6- الدقة:
حيث ينبغي تحري الدقة في
المعلومات التي ينشرها الناشر "وذلك لأن حياة الأفراد يمكن أن تعتمد على هذه المعلومات ، وبالتالي فيجب أن تخضع هذه
المعلومات لأعلى المعايير في الدقة والكفاءة"
7- النزاهة:
حيث ينبغي له أن "يتنزه عن أي تصرف يسيء لسمعة دار
النشر، أو سمعة المهنة ؛سواء كان هذا التصرف يضر المؤلفين ، أو زملاء ا لمهنة أو
العملاء" فيحترم حقوقهم وممتلكاتهم ولا يعتدي عليها بأي
شكل .
ومن نزاهته ان
يترفع عن قبول الإعلانات التي تعلن عن منتجات مزيفة أو مضلِّلة أو خادعة ، أو
ضارة، أو تسيء للجمهور بأي شكل ، ومادام
على يقين بان رزقه مقسوم مهما سعى واجتهد،
لقول الله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾(هود-6)فليكن
إذن مصدر رزقه حلالاً .
8- السماحة:
حيث
ينبغي أن يكون سهلاً ،رفيقا ً، ليِّن الجانب في التعامل بالبيع والشراء ، وأن يترك
المشاحنة و التضييق على الآخرين عند المطالبة بحقوقه، كما يترك المماطلة عند أداء
ما عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله يحب سَمْح البيع ، سمح
الشراء، سمح القضاء" صحيح
الترمذي
"وفي صحيح مسلم عن عائشة أنها
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقُق عليه ، ومن
وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفِق به "
وفي جانب وجدانيٍ آخر يحكي
النبي صلى الله عليه وسلم العاقبة الحميدة والفوز الكبير الذي آل إليه أحد التجار
بسبب أخلاقياته العالية لدى تعامله مع من يبايعهم، ليكون أسوةً لنظرائه، ففي
الصحيحين عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حُوسب
رجلٌ ممن كان قبلكم ، فلم يوجد له من الخير شيءٌ إلا أنه كان يخالط الناس ، وكان
موسراً فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله عزَّ وجلَّ : نحن
أحق بذلك منه تجاوزوا عنه"
وهذا الخُلق ينطبق أيضاً عند التعامل مع
من يخالف الناشر في الدِّين، أو الرأي، أو الخُلُق، ومع من يحبهم ومن يُبغضهم، لأن
لهم عليه حقوق بغض النظرعن اختلافه معهم .
9- الانتماء:
حيث
ينبغي للناشر أن يشعر
بشؤون واهتمامات وآلام وآمال المجتمع الأكبر الذي ينتمي إليه، فيراعي هذه
الشؤون والاهتمامات، كما يراعي عادات وتقاليد وعُرف مجتمعه ، فلا ينشر ما يخالفها.
10 – العلم
المستنير:
فمن
أخلاق الناشر المتميز ألا يجهل أمور مهنته وأبعادها وآخر ما طرأ عليها من تطورات
عالمية ،مع تطبيق ما يناسبه ويناسب بلاده منها؛ فيكون إذن على الدوام متعلماً
لأصول مهنته عاملاً بها، بل ويكون ممن يضيفون إليها من خلال خبراته وتجاربه وعلمه.
وبعد، فإن هذه هي أبرزالأخلاق التي ينبغي للناشر ان يتحلى بها لكي تحقق مهنته الشريفة أهدافها، وتؤدي رسالتها كما ينبغي ... ولكي تظل - كما هي في الحقيقة - من أرقى الوظائف !
المصادر :
3 - أماني
زكريا الرمادي .صناعة النشر وآفاق المستقبل . الإسكندرية: المؤلفة ، 2010. ص 313 -325.
5- بوبر، كارل.(1959) عقم
المذهب التاريخي: دراسة في مناهج العلوم الاجتماعية / ترجمة عبد الحميد صبرة .- القاهرة ،
منشأة المعارف .ص81.
6-
خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع.أخلاقيات التجار وأثرها على
الأسعار.-موقع صيد الفوئد،< 27/2/2010>، متاح في: http://saaid.net/Doat/shaya/40.htm
7- محمد
فتحي عبد الهادي. أخلاقيات المعلومات في المكتبات ومراكز المعلومات .<تاريخ الإتاحة:
8-
هبه الشريف .الأخلاقيات المهنية للمشتغلين
بمجال المكتبات والمعلومات في ظل مجتمع
المعلومات، 2009،<22/2/2010> ، متاح في:
http://www.cybrarians.info/index.php?option=com_content&task=view&id=384